فاق جمال المنظر كل ما رأيت من قبل .. ويكاد أن يتحول للوحة معلقة فى ردهة فى ردهة قصر أفحش الأثرياء .. لا أدرى بما أصف ذلك المكان .. وإن فلحت بوصفه فكيف أصف شعورى بوجودى فيه .. شعور بالراحه والهدوء الممتزج بالطمئنينة .. وفجأة .. ملأتنى رغبة فى استطلاع المكان .. فأدرت رأسى يساراً .. فإذا بالسماء تملأها احتفالات .. بتلك الصواريخ التى تنطلق فى أعظم المهرجانات .. وشكلت أشكالاً وقوالب جميلة تختلف بين القلوب وبين الورود .. فابتسمت فى سعادة لهذا المنظر الباهر .. وأدرت رأسى يمينا .....
وحينها .. تحجرت عيناى .. فقد فضلتا السكون .. وكأنما وجدا هدفهما .. أرأيت ما لا تقوى عيناى على رؤيته ؟ .. ربما .. فقد أمام الطيور بكل ألوانها .. البحار بنقاء مياهها .. السماوات بنجومها .. الورود بأجمل أشكالها .. وأطيب ريحها .. إنها حلمى البعيد المنال .. فتاة ذات عيون .. تعكس الجنان بكل صورها ومحتوياتها .. أهى أجمل البشر ؟ .. و أى بشر ؟ .. أهى من البشر .. من المؤكد أنها تنتمى لذلك المكان البديع .. وفوجئت بأن حدقتاى تضيقان شيئاً فشيئاً من سطوع نور تلك الشمس الصغيرة .. فعيونها بداخلها تكمن أصعب الألغاز .. أحاجى بلا حلول !! .. صدقونى .. ليس الأمر بيدى .. ليس الأمر بيدى .. فقد وضع داخل عيونها سر الوجود واختفى للأبد ..
كانت تنظر إلى مبتسمة .. ولكن – ولم أعلم لماذا – كان هناك حيرة تجوب بملامحها .. فسألتها فى هدوء يكاد لا يصدر منه صوت قائلاً : " لم الحيرة أيتها الفاتنة ؟ " .. فلم تتأثر وكأنها لم تسمع كلمة مما قلت فعيناها لم تتحركا.. بل سكنتا فى مكانهما .. وإذا بها تستفيق من ذهولها .. وفتحت فمها دون أن يخرج منه كلمات مسموعة .. فابتسمت محاولاً طمأنتها .. فقالت بعد مشقة : " هل أنت صاحب ذلك المكان أيها الوسيم ؟ " ....
مرت الكلمات على أذنى وكأنها سيمفونية من الروائع .. وزاد من جمال صوتها أنه كان صوتاً مألوفاً .. فهدأ قلبى ووجد شراعه سبيله إلى المستقر .. وأصبحت بسمتى ملئ وجهى .. فلم أتوقع أن كلانا غريب عن ذلك المكان .....
وإذا بى فجأة اذكر كلمة الوسيم .. فاحمر وجهى .. كما حدث لها نفس الشيء .. يبدو أن كلمة الفاتنه أخجلتها .. ربما .. وإذا بأجمل وجنه أرها فى حياتى .. أ للجمال اسم آخر ؟ .. أ للوسامة والحسن هيئة أخرى ؟ .. لا أظن .. فأرادت أن تحرمنى من تلك اللحظات بأن أشاحت وجهها عن وجهى .. الحياء والخجل هما عنوان تلك الإبتسامات الرقيقة .. فكيف أسمح لها بأن تحرمنى منها ؟ .. فارتفعت يدى كمن ينقذ نفسه .. ويتعلق فى آخر أمل له .. وفى حركة عفوية أمسكت يدها مترجياً أياها ألا تشيح بنظرها بعيداً من خجلها .. فإذا بعيونها تعود أدراجها كالطير المسافر إذ يعود لصغاره فاحتضنتها نظراتى المتلهفة لرؤية تلك العيون .. وانطلقت الدماء تتدفق فى عروقى مرة أخرى .. فضغطت على يدها واقفاً وجاذباً إياها لتقف .. وإذا بى أدور بها حول نفسى .. وغمرتنا الشمس بأشعتها الذهبيه معلنة إحتفالها بنا .. ونزلت على ركبتى .. وانطبعت فوق يدها قبلة هادئة .. ثم رفعت نظرى لوجهها ......
يا له من حلم جميل .. كثيراً ما يراودنى .. وما أن رفعت تلك الخمائل المترامية فوق وجهى .. فإذا بذلك الوجه الذى حلمت به .. إنه أمامى .. فابتسمت لها .. فنظرت لى .. وابتسمت .. فى خجل !! .. آه .. يا لها من زوجة !!